لالة مغنية : المدينة والمرأة
Lalla Maghnia: The City and the Woman
يعود تاريخ مدينة مغنية إلى عهود ضاربة في عمق التاريخ ، حيث واستنادا إلى كشوفات أثرية تمت سنة 1908 ، وعلى بعد خمس كيلومترات من المدينة ، عثر على لآثار تنسب إلى حقبة ما قبل التاريخ ، تعرف بمغارات » المويلح » ووجد بداخلها على هياكل عظمية لبقايا الإنسان ، كما وجدت نقوش على حجر من السيليكس تعود للفترة ذاتها محفوطة بمتحف وهران.

ويذكر المؤرخ » لويس بياس » أن » مغنية » كانت مركزا فينيقيا قبل أن يستولي عليها الرومان ، حيث إنه ونظرا لطبيعة الفينيقيين التجارية وكذا موقع المنطقة الاستراتيجي فقد أسس الفينيقيون مركزا تجاريا بالمنطقة ، على غرار المناطق الممتدة على طول الساحل المتوسطي مراكز تجارية بغية تبادل السلع واتخاذها كمحطات للانطلاق نحو مناطق أخرى ، ثم استولى عليها الرومان وأطلقوا عليها اسم » نوميروس سيروروم » Numeros Syrorum ، وجعلوها معسكرا هاما ، وتشير الدراسات إلى أن هذا المعسكر كان طوله 400 م وعرضه 250 م ، ويحيط به خندق ، ومحصن بأبراج مربعة الشكل وبه أربعة أبواب للدخول والخروج ، ولا تزال هناك آثار شاهدة على الحقبة الرومانية بالمنطقة كتلك الموجودة بـ » حمام الشيقر « .

وقد تعدّدت الحفريات الكشفية في العهد الاستعماري بغية التنقيب عن تاريخ المدينة ، وقد أدّت هذه الحفريات ، حسب الباحثين ، إلى اكتشاف نصب عسكري سجلت عليه كتابة بالأحرف اللاتينية تحيل إلى تلك العلاقة التاريخية بين » سير » (مغنية) و »بوماريا » (تلمسان ) .
وبداية من القرن السابع الميلادي دخلت المدينة في الحاضرة الإسلامية ، بفعل القبائل البدو الذين جاءوا المنطقة ، وأصبحت المدينة همزة وصل بين الغزوات وندرومة وتلمسان ، ويقال إنها اتخذت اسم » نومالطة » .
أما في العهد الاستعماري ، فقد دخلتها الجيوش الفرنسية سنة 1836 ، بقيادة الجنرال » بيدو » والذي أقام بها ثكنة عسكرية على أنقاض ما تركه الرومان ، وغير اسم المدينة إلى » لالة مغنية » نسبة للولية الصالحة دفينة المنطقة ، وذلك سنة 1844 ، وقد شكلت المنطقة في عهد مقاومة الأمير عبد القادر حصنا وقاعدة لغزواته في الجزائر وقاعدة خلفية للانسحاب نحو الغرب إذا ما حاصرته القوات الاستعمارية بين سنتي 1844 و1845 ، وظلّت المدينة قاعدة عسكرية لغاية 1922 ، تاريخ تأسيس أول مجلس بلدي ، حيث حذفت كلمة » لالة » من اسمها وأبقي على » مغنية » .
وبعد هذه الفترة شرعت السلطات الفرنسية في تأسيس البنية التحتية والمرافق العامة وغيرها لتكتسي طابعها المدني ذي الصبغة الاستعمارية إلى غاية نيل الجزائر استقلالها وتصبح مغنية إحدى أهم بلديات الجهة الغربية للوطن .
وللمنطقة تاريخ ثوري مجيد تكاد تنطق به مداشرها وجبالها ، حيث قدمت المدينة خيرة شبابها وزهرة أبنائها قربانا على مذبح الحرية ، ومن أعلام المنطقة :
- الرئيس أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر المستقلة
- محمد مصايف ، ناقد
- واسيني الأعرج روائي وناقد
- أمين الزاوي ، روائي وناقد
- عمار بلحسن ، قاص ومفكر سوسيولوجي
- زينب الأعوج ، شاعرة وناقدة
- ربيعة جلطي ، روائية وشاعرة
أما عن التركيبة البشرية للمدينة فهي تتوزع بين قبائل » بني واسين » و »مسيردة » وكذا » جبالة » ، إضافة لبعض الأعراش الأمازيغية والعربية.
وغيرهم كثير .
كما تحتضن مقبرة لالة مغنية جثمان وزير الخارجية الأسبق » محمد خميستي « .
أما عن تسمية المدينة باسم » لالة مغنية » فذلك نسبة إلى امرأة متصوفة زاهدة عاشت في الفترة بين 1757 و 1795 ، ويقال إنها أخت » لالة ستي » دفينة تلمسان ، غير أن هذا الطرح لا يستند إلى أي دلائل تاريخية ليبقى مجرد أسطورة تتناقلها الألسن ، وتجهل تفاصيل حياة هذه الولية الصالحة إلا شذرات لا تغني الفضول المعرفي ولا تبسط رؤية واضحة المعالم عن سيرتها ، وقد كانت « لالة مغنية » ذات جمال فائق مما أدى بأحد نبلاء البلاط المريني أن يتقدم لخطبتها لكنها ردته ورضيت برجل من عامة الناس ، وهذا ما أشعل فتيل الحرب بين سلطان بني مرين وقبيلة الرجل الذي تزوج بها .
وقد حجت هذه المرأة مرتين ، وفي المرة الثانية توقفت القافلة بالمنطقة فأعجبتها وقررت البقاء بها ، فنصبت لها خيمة في الموقع الذي يحوي ضريحها ، لتعيش وتموت وتدفن هناك ، وتترك ذرية كانت تجاور ضريحها وتكوّن قرية صغيرة ثم مدينة تحمل اسمها، ولا زالت سلالة الحاجة مغنية موجودة بالمدينة ، ولهم مقامهم الاجتماعي واحترامهم بفضل نسبهم الأصيل وتاريخهم النضالي ، فابن الحاجة مغنية ، كما تشير الدراسات ، جاهد مع الأمير عبد القادر حتى قبض عليه ثم قتل ، ولا يعلم بالضبط أين قتل ولا مكان دفنه ، ويذهب البعض إلى أنه نفي إلى كورسيكا وقتل هناك ، وكان مع ابنها هذا رجل من المنطقة يقال له » ابن عائشة » وهو أيضا ترك سلالة لا تزال تقيم بالمدينة وحفيده قاتل مع الثائر الريفي » عبد الكريم الخطابي » ، ومن سلالتها أيضا مجاهد اسمه « الشيخ موفق » كان له أثره في المقاومة الشعبية بعد الأمير عبد القادر حتى استشهد ، ولا يزال اسمه مخلدا في عديد قصائد الشعر الملحون .